الشيخ حبيب الكاظمي
كيف نحي أمر أهل البيت (ع)؟..
نعزيكم جميعاً بهذه المناسبة الأليمة، التي تمر علينا في هذه الليالي والأيام.. إن المؤمنين ينتظرون هذه الأيام، من أجل مشاركة إمام زمانهم العزاء.. وبمقدار التفاعل مع هذه المناسبة: بكاءً، وتباكياً، وتفاعلاً عملياً؛ يكتشف الإنسان إيمانه وطراوة باطنه.. ومن هنا لزم على المؤمنين أن يسألوا ربهم في جلسة مناجاة مع الله تعالى، أن لا يحرمهم بركات هذه الليالي والأيام.
س1/ ما هي الدروس المستفادة من ثورة الحسين (ع)؟..
إنّا لا نحيط علماً بما عند الله سبحانه وتعالى، سواءً في جانب الفضائل، أو في جانب جزئيات المأساة التي وقعت عليه (ع)؛ كون الحسين قام بحركة غير متكررة في تاريخ البشرية أجمع.. فصاحب الأمر (عج) يقول في الزيارة: (لأبكين عليك بدل الدموع دما)، لقد كانت مأساة كبيرة جداً استوعبت شخص المعصوم، وعياله، بل حتى رضيعه.. لذا ينبغي أن تكون الدروس المستفادة بحجم هذه المأساة:
* الهدفية في الحياة: سطر الحسين (ع) بثورته درسا بليغا، وهو أن على الإنسان أن يكون حياً؛ ليحقق أهدافه في الحياة، وإلا فالموت أولى من الحياة.. لقد كان (ع) يبدي غزلاً للموت من خلال حركته، وهو في طريقه من مكة إلى كربلاء، حيث كان شعاره: (إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي، فيا سيوف خذيني).. فإذن، إن الهدفية في الحياة من سمات الإنسان المؤمن، الملتفت إلى إنسانيته، وإلى خلافته على وجه الأرض، وما أجمل النتيجة النهائية، عندما تكون الشهادة متوجة لحركة الإنسان في حياته!..
* الإخلاص في الحياة، واستشعار الارتباط بعالم الغيب: إن صاحب دعاء عرفة بمضامينها العالية (ماذا وجد من فقدك، وماذا فقد من وجدك)؟!.. هو ذلك الذي جرى عليه ما جرى يوم عاشوراء.. هذه المعاني العظيمة، التي تبقى على مستوى المشاعر في نفوس البعض، ترجمها الإمام (ع) عملياً يوم الطف، عندما ختم حياته المباركة، وهو في المقتل -في ساعة استشعاره لذة الشهادة- كان يناجي ربه كما كان يناجيه في يوم عرفة.. فإمامنا (ع) أعطى درس المعية الإلهية في كل الظروف.
* الحرص والشفقة على المخلوقين: إن الإمام (ع) كان كجده النبي الأكرم (ص)، الذي كان من أحرص الناس على أمته، بل على البشرية جمعاء: المؤمنون وغيرهم.. فالإمام (ع) كان يخاطب القوم يوم عاشوراء، خطاباً أبوياً وشفيقاً، حتى أنه تأثر وبكى في بعض المواقف؛ لأن البعض سيدخل جهنم بسببه.. فإذن، إن الشفقة والحنو على المخلوقين في الأمة، وحمل هموم المنحرفين منهم، من الدروس البليغة في ثورة الحسين(ع).
س2/ ما تعليقكم على مدى أهمية تطوير حركة العزاء الحسيني؟..
إن الشارع المقدس يأتي بالعمومات الداعية إلى الجزئيات، كقوله: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}.. هذه المقولة مبهمة، وهي في كل عصر تتجلى على شكل من الأشكال.. وكذلك المودة في القربى، وإحياء الشعائر وتعظيمها، عنوان عام.. فلابد وأن نلاحظ متطلبات كل عصر؛ من أجل اختيار الحركات المناسبة، لترويج دعوة أهل البيت (ع) المباركة.. ففي حياة الأئمة (ع) كان الشعر هو الأسلوب المفضل لنشر الإعلام، ولكن هذا لا يعني أن نحصر الأسلوب في ذلك فقط.. نحن من دعاة الإضافة، لا التعويض.. فالمظاهر العزائية التقليدية، التي هي مطابقة للقواعد الشرعية نحتفظ بها؛ لأن الأمة تربت وتعودت عليها، وهي ذات مضامين جميلة، وقد كانت حركة المواكب -في يوم عاشوراء، في بعض الحقب الزمنية- تأخذ طابعاً سياسياً، من خلال ما يبرز فيه من مضامين تضرب بالعمق.. ولذا لابد أن نطور حركة العزاء الحسيني:
* باعتماد الأسلوب الفصيح في القصائد؛ حتى تكون لغة عامة ومفهومة للجميع، وأن تحمل مضامين راقية.
* والمحافظة على الأطوار العزائية، وعدم استخدام كل ما يناسب مجالس اللهو.. حيث أن الهدف هو إثارة العاطفة لدى الناس، لا شغل فكرهم بما يشبه الألحان، التي تكون مطربة، ويصحبها حالة من حالات الخفة في بعض الحالات.
* حفظ الحدود عند الخروج من المآتم، والحسينيات، والمساجد.. بين العنصر الرجالي، والنسائي.
* إثراء البرامج الإذاعية والتلفازية، بالبرامج التثقيفية في هذا المجال.
* عدم الاكتفاء بالجانب العاطفي، والخروج بفائدة عملية من خلال التأثر، والاستفادة بما يقوله الخطيب.
س3/ إن في شهادة الحسين (ع) حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً.. البعض يقول بأن العاطفة هي التي حفظت واقعة كربلاء، فمنهم من يعاني من قسوة القلب، وجفاف الدمعة.. فكيف السبيل لحل هذه المشكلة؟..
إن دموع البكاء على سيد الشهداء (ع)، لا تنفصل عن دموع الخوف والخشية من الله عز وجل.. والذي ليست له علاقة وطيدة مع رب العالمين، وليست له حالة تفاعلية مع المعاني التوحيدية، فمن المتوقع أن لا يعيش حالة التفاعل في قضايا أهل البيت (ع)؛ لأن هؤلاء يمثلون الخط الإلهي الحاكم على وجه الأرض.. والإنسان العاصي قد يبكي في هذه الأيام، ولكن هذا البكاء ليس بكاءً فاعلا في تغيير مسيرة الحياة لديهم، وإنما مجرد حالات موسمية وتنقضي.
س4/ هذه الأيام الفضائيات تتعمد عرض إقامة المراسم الحسينية، وتركز على مسألة التطبير وإسالة الدماء.. برأيكم ما هي الطريقة المثلى لإيصال صوت الإمام الحسين (ع) إلى الآخرين؟..
إن ابتكار الأساليب المؤثرة، ضرورة لمواكبة متطلبات العصر؛ ولكن ينبغي مراعاة أن الغرض الرئيسي، هو إقامة العزاء في الدرجة الأولى، وجلب أنظار الآخرين لهذه المفاهيم المكتنزة في المراسم العزائية في الدرجة الثانية.. لذا لابد عند إقامة المراسم والعمل في هذا المجال، مراعاة بنود كثيرة: أن ننظر أولاً إلى حلية العمل شرعاً، وثم ننظر ما هو هدفية هذا العمل.. فإذا كانت هي ترويج الفكرة في أذهان الآخرين، والذين هم خارج الدائرة، علينا أن نحسن الأداء، ولا نوجب ما قد يؤدي إلى التوهين، أو يسمح للبعض من إساءة استغلال تلك الصور، والتشويه والتنفير من المذهب على مستوى العالم.
س5/ المعلوم أن أغلب الناس يجسد ثورة الإمام الحسين (ع) تجسيداً عاطفياً، فكيف يمكن لنا أن نجسد ثورة الحسين (ع) عملياً في حياتنا؟..
يا حبذا لو تم تناول خطب الإمام (ع) لتدبر ما فيها من المفاهيم الراقية، التي كان يرسمها (ع) في نفوس أصحابه.. فيكفي لو خرجنا من واقعة الطف بفائدة عملية غير التأثر البكائي، منها:
* لو نظرنا إلى التزام الإمام (ع)، وحرصه يوم العاشر على إقامة الصلاة في أول وقتها ساعة الزوال، حتى إن أحداً من أصحابه قتل أو أثخن بالجراج -في أثناء صلاة الحرب- وهو واقف بين يدي الإمام (ع) يذود عنه السهام.
* أو لتفقده للطبقات الاجتماعية المنكسرة: والتي تتمثل في جون مولى أبي ذر، عندما جاء إلى الإمام (ع) وشكا إليه نتن رائحته، وسواد لونه، وما إلى ذلك.. فإن الإمام (ع) دعا له دعوة ما دعاها حتى لبعض الهاشميين، أو لبعض أصحابه (اللهم!.. طيب ريحه، وبيض لونه).. وقد شوهد هذا الغلام بعد استشهاده بأيام وقد فاحت رائحته الطيبة.
* أو لغيرته وحميته على أهل بيته: حيث أنه كان حريصاً في الحفاظ على عائلته من أيدي الأعداء، فكلما خرجت زينب (ع) ردها إلى المخيم.
س6/ هل يوجد على موقع السراج من جديد حول قضية الإمام الحسين (ع)؟..
نعم، توجد الآداب المعنوية لحضور مجالس الحسين (ع).. نحن ندعو إلى وضع الآداب المعنوية في الصلاة، والصيام، والحج، وفي المجالس الحسينية، إلى جانب الآداب الظاهرية الفقهية؛ ليكتمل الفقه الظاهري مع الفقه الباطني.
س7/ ما معنى هذه المقولة: ( كل أرض كربلاء، وكل يوم عاشوراء)؟..
هذا لا يعتبر حديث، بل مقولة مستفادة مما جرى في يوم عاشوراء.. (كل أرض كربلاء)، أي كل أرض فيها مظهر يزيدي ومظهر حسيني، في صراع بين الحق والباطل.. فالصراع الذي كان بين موسى (ع) وفرعون في زمانه، وقع يوم عاشوراء، وهكذا هو في كل عصر.. فبعض العلماء عندما يسرد حياة أئمة أهل النبي (ع) يذكر أنه في مقابل كل إمام، هنالك بعض عناصر الشر التي قامت في مواجهته.. و(كل يوم عاشوراء)، أي كل يوم أيضاً يوجد مجال صراع بين الحق والباطل، سواءً في مجال النفس: حيث المعالم اليزيدية في داخل الذات، فقد يكون الإنسان معادياً ليزيد متبرئاً منه، ولكنه في مقام العمل يرتكب حالة من الحالات اليزيدية الباطنية، الذي كان عبارة عن مجموعة سلوكيات مأثورة في كتب المسلمين، وما كان يقوم به لا يخفى على أحد.. وعليه، فإن المؤمن الذي يريد أن يجسد الحركة العاشورائية، لابد أن يكون على مستوى تمثيل الإمام الحسين (ع) بحسب وسعه -وإلا أين نحن وما قام به الحسين(ع)- ويحاول أن يكون حسينياً في كل مواجهة لحالة يزيدية في نفسه، أو في ساحة الحياة.
س8/ ما معنى هذه المقولة: (الراضي بفعل قوم كالداخل معهم)؟..
هذه قاعدة عامة في الخير والشر، قال أمير المؤمنين (ع) لما أظفره الله بأصحاب الجمل، وقد قال له بعض أصحابه: وددت إن أخي فلاناً كان شاهدنا؛ ليرى ما نصرك الله به على أعدائك.. فقال (ع): أهوى أخيك معنا؟.. قال: نعم، قال (ع): فقد شهدنا، ولقد شهدنا في عسكرنا هذا قوم في أصلاب الرجال وأرحام النساء، سيرعف بهم الزمان، ويقوى بهم الإيمان.. ومن هنا فإن الذين يقولون: يا ليتنا كنا معكم، إذا قالوها بصدق، لا على نحو الشعارية أو الشاعرية، ليس من المستبعد أبداً أن يعطوا يوم القيامة ما أعطي أصحاب الإمام (ع).
س9/ هل من نصيحة لمن لهم ازدواجية في السلوك، يبدون الولاء لأهل البيت (ع) وهم في مقام العمل منهم براء!.. ثم كيف يمكن أن نعرف الإخوان السنة بثورة الحسين (ع)؟..
إن إمامنا العسكري (ع) في عبارته المعروفة يقول: (كونوا زيناً لنا، ولا تكونوا شيناً علينا).. وأعتقد بأن الشيعي الحقيقي، هو ذلك الذي يتبع ما جاء به النبي ووصيه (ص)، حيث أن معنى المشايعة هي المتابعة.. فالذي لا يتابع المتَبع أو المشايَع في سيره، هذا إنسان محب ومدعي للمشايعة {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ}، أي أن إبراهيم كان على سنّة من جاء قبله من الأنبياء الإلهيين.. وعليه، فإن معنى المشايعة هي الملازمة، والمتابعة في كل جزئيات الحياة.
س10/ ما هو تاريخ التطبير؟.. وما هو تكليف الذي كان يقلد مرجعاً يحلله، ثم اضطر لأن يعدل لآخر يحرمه؟..
لا يمكن القول بأن التطبير ضارب في عمق التاريخ، فهو حديث نسبيا، وقد ظهر في القرون الأخيرة.. وباعتبار أن القضية فيها خلاف فقهي، فينبغي أن نحترم آراء الفقهاء، حيث منهم من يقول: بأنه إذا لم يؤدِ إلى ضرر بليغ، وليس فيه أمر سلبي، فهي حركة من الحركات التي تنطبق عليها قاعدة البراءة؛ لأن كل شيء لم تثبت حرمته، لا نحكم بحرمته.. ولكن ماذا عن الجانب الاجتماعي؟!.. إن الإمام الصادق (ع) أوقف العمل بالمتعة لفترة زمنية، مع أنها من الأمور الثابتة والراجحة شرعاً في خط الإمامة، ولكن طبيعة الظروف لا تناسب ذلك، وفي رواية جميلة له (ع) يقول: (لا تشغلوا بها عن فرشكم وحرائركم).. أي إذا كان الأمر يؤدي إلى التزاحم بين المستحبات والواجبات؛ فينبغي تقديم الأهم.. كما في المثال المعروف: التزاحم بين الصلاة، وإنقاذ الغريق.. هذا التزاحم باب مفتوح، ليس هنالك إطلاق أن هذا الأمر ينبغي العمل به بلغ ما بلغ.. والذي يشخص هذا التزاحم هم أهل الحل والعقد، والذين يعلمون الملابسات والمداخلات، ويعرفون الوضع الموجود.. وعليه، بغض النظر عن الجانب الفقهي، الذي أغلب الفتاوى يجيزونه وبالشروط المذكورة، علينا أن نجعل هذا الأمر في إطاره في كل عصر وفي كل مكان، وننظر ما هي الإيجابيات وما هي السلبيات.. أي لا بد أن ننظر إلى الأمر بكله المتكامل، لا في زاوية فيه، وإن كان جائز بفتوى من نقلد.. إذ أن المؤمن عليه أن يوازن الأمور، فهنالك أمور من الممكن أن توجب الوهن للطائفة والأفراد، ويساء الاستفادة منها.. وبالتالي، فإننا قد نفرط في بعض المكاسب، التي نكتسبها من خلال إحياء هذه المراسم.. أيضاً من الضروري أن لا نحول الأمر إلى حالة من حالات التشرذم، وإيجاد فرقة في المجتمع على أساس أمر استحبابي، علينا سواء أيدنا أو خالفنا، أن نعلم بأننا في ضمن أسرة واحدة، ولا ينبغي أن نجعل القضية على مستوى النزاع، وكأنه على أصل من أصول الدين.
س11/ جاء في زيارة الناحية المقدسة للإمام الحجة (ع): (لأبكين عليك بدل الدموع دما).. هل إن هذا البكاء على نحو المجاز أو الحقيقة؟..
لا ينبغي تركيز النظر في المسائل، التي لا تستبطن ثمرة فقهية عملية تحريمية أو وجوبية.. على كلٍّ، فإن بعض العلماء يعتقد بصحة نسبية هذه الزيارة للإمام الحجة (عج).. ومضامين هذه الزيارة مستفادة جداً، من حيث أنها تعكس إجمالاً ما جرى على الإمام (ع) في يوم الطف كباقي المقاتل المنقولة.. وأنا أعتقد بأن هنالك قسما من الفاجعة ومن مأساة الحسين (ع) لم يصل إلينا، ولم يطلع عليه إلا الإمام (عج)؛ لأن التاريخ لم ينقل إلا شذراً بسيطاً.. فبعض المقاتل نقلت من أعداء الإمام (ع)، وقسم منهم في الروايات التي عندنا.. وعليه، فإن عظمة الواقعة والمأساة، أعظم مما ورد إلينا.. ومن هنا الإمام (ع) معذور في هذه الحالة التي يبينها في تفاعله الشديد بقضية جده الحسين (ع)، ويشبه ذلك قول الرضا (ع): (إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا).
س12/ جاء في بعض الكتب هذا المفهوم: (بأن الحسين(ع) قتل بشرع جده)، ما هو تفنيد هذه المقولة؟..
إن هذه المقولة لا يُعتنى بها أبداً؛ لأنه واضح بأن هنالك تيار مثّله يزيد ومن كان في بلاطه.. ونحن نعلم بأنه ليس هنالك أي مجال لتبرير حركاته، التي تنم على أنه إنسان لا يمكن أن يعد في صفوف المسلمين، فضلاً عن رعيتهم.. إن ما جرى على الأمة، هو ثمرة انحراف الغدير عن مجراه.. فالبعض كان يقول: بأن الغدير نبض يوم عاشوراء.. فالإمام (ع) من خلال خطبته الصارخة يقول: «إني لم أخرج أشِراً ولا بطِراً ولا ظالماً ولا مفسداً، ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي».. والتاريخ بحمد الله تعالى حفظ هذه الناحية، حيث رأينا انتعاش الإسلام من خلال حركة الباقرين والصادقين، ببركات جدهم الحسين(ع).
س13/ نرجو تسليط الضوء على السبب الرئيس في أخذ الحسين (ع) للعائلة، مع علمه القطعي بشهادتهم.. فإذا كانت الحوراء زينب (ع) هي الامتداد لبيان أحداث الثورة، ووجودها كان من الضروري في الواقعة.. فما هو دور العائلة في ذلك؟..
إن الأسرار علمها عند الله تعالى، وإنما نقول إستيحاءً: بأن ما جرى على الحسين (ع) هز كيان الأمة من جهتين:
الأولى: من طريقة القتل والتشنيع الذي مارسه الأعداء على بدن الحسين (ع)..
والثانية: ما جرى على نساء النبي (ص) بعد الواقعة من السبي والهتك.. فالإمام بهذه الحركة المأساوية، هز كيان الأمة إلى الأبد، أضف إلى أن معالم الثورة انتشرت من خلال كلمات زينب وبنات الحسين(ع).. وما وصلنا من خطب الإمام زين العابدين، وسيدتنا زينب(ع)، تدلل على هذه الحقيقة: وهي أن الحركة كانت حسينية الحدوث، وزينبية البقاء.
14/ هل لكم أن تذكروا لنا بعض المواقف المؤلمة، ما دام أن الأجواء أجواء محرم؟..
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الباكين والراثين على مصائبهم (ع)، أنا أدعو إلى قراءة المقتل في خلوات جوف الليل.. فهذه الدموع التي تراق في الخلوات -على ما جرى على أبي عبد الله الحسين(ع)- تطفئ بحار الغضب الإلهي.
* من المواقف المثيرة جداً، عندما نقرأ في التأريخ كيف أن الإمام (ع) في مرحلة من المراحل، وصل إلى مخاطبة من لا وجود لهم: (يا فرسان الهيجاء، ويا أبطال الصفا!.. قوموا من نومتكم).. وطلب منهم الدفاع عن حرم رسول الله (ص).
* مشيه إلى مقتل أخيه العباس، حيث بان الانكسار على وجهه الشريف، عندما رأى أخاه بتلك الحالة، وهو حامل لوائه.
* عندما كان يودع بنات النبوة.. ماذا سيكون حالهم، وهم يفقدون حاميهم الأوحد؟!.. إن التاريخ ينقل صورة مأساوية جداً من البكاء والنحيب، إلى درجة أنه قد غشي على البعض منهن.. ومع ذلك فإن الإمام (ع) يستمر في مسيرته إلى الميدان.
* وكذلك من المواقف المؤلمة، عندما أخذت زينب: أخته، وشريكة أحزانه (ع)، تناديه بصوت خفي: مهلاً مهلا يا بن الزهرا!.. ويبدو أن زينب (ع) ودعت أخاها في أكثر من محطة؛ لأنها لم تكن لتتحمل منظر فراق أخيها الحسين (ع).
كيف نحي أمر أهل البيت (ع)؟..
نعزيكم جميعاً بهذه المناسبة الأليمة، التي تمر علينا في هذه الليالي والأيام.. إن المؤمنين ينتظرون هذه الأيام، من أجل مشاركة إمام زمانهم العزاء.. وبمقدار التفاعل مع هذه المناسبة: بكاءً، وتباكياً، وتفاعلاً عملياً؛ يكتشف الإنسان إيمانه وطراوة باطنه.. ومن هنا لزم على المؤمنين أن يسألوا ربهم في جلسة مناجاة مع الله تعالى، أن لا يحرمهم بركات هذه الليالي والأيام.
س1/ ما هي الدروس المستفادة من ثورة الحسين (ع)؟..
إنّا لا نحيط علماً بما عند الله سبحانه وتعالى، سواءً في جانب الفضائل، أو في جانب جزئيات المأساة التي وقعت عليه (ع)؛ كون الحسين قام بحركة غير متكررة في تاريخ البشرية أجمع.. فصاحب الأمر (عج) يقول في الزيارة: (لأبكين عليك بدل الدموع دما)، لقد كانت مأساة كبيرة جداً استوعبت شخص المعصوم، وعياله، بل حتى رضيعه.. لذا ينبغي أن تكون الدروس المستفادة بحجم هذه المأساة:
* الهدفية في الحياة: سطر الحسين (ع) بثورته درسا بليغا، وهو أن على الإنسان أن يكون حياً؛ ليحقق أهدافه في الحياة، وإلا فالموت أولى من الحياة.. لقد كان (ع) يبدي غزلاً للموت من خلال حركته، وهو في طريقه من مكة إلى كربلاء، حيث كان شعاره: (إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي، فيا سيوف خذيني).. فإذن، إن الهدفية في الحياة من سمات الإنسان المؤمن، الملتفت إلى إنسانيته، وإلى خلافته على وجه الأرض، وما أجمل النتيجة النهائية، عندما تكون الشهادة متوجة لحركة الإنسان في حياته!..
* الإخلاص في الحياة، واستشعار الارتباط بعالم الغيب: إن صاحب دعاء عرفة بمضامينها العالية (ماذا وجد من فقدك، وماذا فقد من وجدك)؟!.. هو ذلك الذي جرى عليه ما جرى يوم عاشوراء.. هذه المعاني العظيمة، التي تبقى على مستوى المشاعر في نفوس البعض، ترجمها الإمام (ع) عملياً يوم الطف، عندما ختم حياته المباركة، وهو في المقتل -في ساعة استشعاره لذة الشهادة- كان يناجي ربه كما كان يناجيه في يوم عرفة.. فإمامنا (ع) أعطى درس المعية الإلهية في كل الظروف.
* الحرص والشفقة على المخلوقين: إن الإمام (ع) كان كجده النبي الأكرم (ص)، الذي كان من أحرص الناس على أمته، بل على البشرية جمعاء: المؤمنون وغيرهم.. فالإمام (ع) كان يخاطب القوم يوم عاشوراء، خطاباً أبوياً وشفيقاً، حتى أنه تأثر وبكى في بعض المواقف؛ لأن البعض سيدخل جهنم بسببه.. فإذن، إن الشفقة والحنو على المخلوقين في الأمة، وحمل هموم المنحرفين منهم، من الدروس البليغة في ثورة الحسين(ع).
س2/ ما تعليقكم على مدى أهمية تطوير حركة العزاء الحسيني؟..
إن الشارع المقدس يأتي بالعمومات الداعية إلى الجزئيات، كقوله: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}.. هذه المقولة مبهمة، وهي في كل عصر تتجلى على شكل من الأشكال.. وكذلك المودة في القربى، وإحياء الشعائر وتعظيمها، عنوان عام.. فلابد وأن نلاحظ متطلبات كل عصر؛ من أجل اختيار الحركات المناسبة، لترويج دعوة أهل البيت (ع) المباركة.. ففي حياة الأئمة (ع) كان الشعر هو الأسلوب المفضل لنشر الإعلام، ولكن هذا لا يعني أن نحصر الأسلوب في ذلك فقط.. نحن من دعاة الإضافة، لا التعويض.. فالمظاهر العزائية التقليدية، التي هي مطابقة للقواعد الشرعية نحتفظ بها؛ لأن الأمة تربت وتعودت عليها، وهي ذات مضامين جميلة، وقد كانت حركة المواكب -في يوم عاشوراء، في بعض الحقب الزمنية- تأخذ طابعاً سياسياً، من خلال ما يبرز فيه من مضامين تضرب بالعمق.. ولذا لابد أن نطور حركة العزاء الحسيني:
* باعتماد الأسلوب الفصيح في القصائد؛ حتى تكون لغة عامة ومفهومة للجميع، وأن تحمل مضامين راقية.
* والمحافظة على الأطوار العزائية، وعدم استخدام كل ما يناسب مجالس اللهو.. حيث أن الهدف هو إثارة العاطفة لدى الناس، لا شغل فكرهم بما يشبه الألحان، التي تكون مطربة، ويصحبها حالة من حالات الخفة في بعض الحالات.
* حفظ الحدود عند الخروج من المآتم، والحسينيات، والمساجد.. بين العنصر الرجالي، والنسائي.
* إثراء البرامج الإذاعية والتلفازية، بالبرامج التثقيفية في هذا المجال.
* عدم الاكتفاء بالجانب العاطفي، والخروج بفائدة عملية من خلال التأثر، والاستفادة بما يقوله الخطيب.
س3/ إن في شهادة الحسين (ع) حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً.. البعض يقول بأن العاطفة هي التي حفظت واقعة كربلاء، فمنهم من يعاني من قسوة القلب، وجفاف الدمعة.. فكيف السبيل لحل هذه المشكلة؟..
إن دموع البكاء على سيد الشهداء (ع)، لا تنفصل عن دموع الخوف والخشية من الله عز وجل.. والذي ليست له علاقة وطيدة مع رب العالمين، وليست له حالة تفاعلية مع المعاني التوحيدية، فمن المتوقع أن لا يعيش حالة التفاعل في قضايا أهل البيت (ع)؛ لأن هؤلاء يمثلون الخط الإلهي الحاكم على وجه الأرض.. والإنسان العاصي قد يبكي في هذه الأيام، ولكن هذا البكاء ليس بكاءً فاعلا في تغيير مسيرة الحياة لديهم، وإنما مجرد حالات موسمية وتنقضي.
س4/ هذه الأيام الفضائيات تتعمد عرض إقامة المراسم الحسينية، وتركز على مسألة التطبير وإسالة الدماء.. برأيكم ما هي الطريقة المثلى لإيصال صوت الإمام الحسين (ع) إلى الآخرين؟..
إن ابتكار الأساليب المؤثرة، ضرورة لمواكبة متطلبات العصر؛ ولكن ينبغي مراعاة أن الغرض الرئيسي، هو إقامة العزاء في الدرجة الأولى، وجلب أنظار الآخرين لهذه المفاهيم المكتنزة في المراسم العزائية في الدرجة الثانية.. لذا لابد عند إقامة المراسم والعمل في هذا المجال، مراعاة بنود كثيرة: أن ننظر أولاً إلى حلية العمل شرعاً، وثم ننظر ما هو هدفية هذا العمل.. فإذا كانت هي ترويج الفكرة في أذهان الآخرين، والذين هم خارج الدائرة، علينا أن نحسن الأداء، ولا نوجب ما قد يؤدي إلى التوهين، أو يسمح للبعض من إساءة استغلال تلك الصور، والتشويه والتنفير من المذهب على مستوى العالم.
س5/ المعلوم أن أغلب الناس يجسد ثورة الإمام الحسين (ع) تجسيداً عاطفياً، فكيف يمكن لنا أن نجسد ثورة الحسين (ع) عملياً في حياتنا؟..
يا حبذا لو تم تناول خطب الإمام (ع) لتدبر ما فيها من المفاهيم الراقية، التي كان يرسمها (ع) في نفوس أصحابه.. فيكفي لو خرجنا من واقعة الطف بفائدة عملية غير التأثر البكائي، منها:
* لو نظرنا إلى التزام الإمام (ع)، وحرصه يوم العاشر على إقامة الصلاة في أول وقتها ساعة الزوال، حتى إن أحداً من أصحابه قتل أو أثخن بالجراج -في أثناء صلاة الحرب- وهو واقف بين يدي الإمام (ع) يذود عنه السهام.
* أو لتفقده للطبقات الاجتماعية المنكسرة: والتي تتمثل في جون مولى أبي ذر، عندما جاء إلى الإمام (ع) وشكا إليه نتن رائحته، وسواد لونه، وما إلى ذلك.. فإن الإمام (ع) دعا له دعوة ما دعاها حتى لبعض الهاشميين، أو لبعض أصحابه (اللهم!.. طيب ريحه، وبيض لونه).. وقد شوهد هذا الغلام بعد استشهاده بأيام وقد فاحت رائحته الطيبة.
* أو لغيرته وحميته على أهل بيته: حيث أنه كان حريصاً في الحفاظ على عائلته من أيدي الأعداء، فكلما خرجت زينب (ع) ردها إلى المخيم.
س6/ هل يوجد على موقع السراج من جديد حول قضية الإمام الحسين (ع)؟..
نعم، توجد الآداب المعنوية لحضور مجالس الحسين (ع).. نحن ندعو إلى وضع الآداب المعنوية في الصلاة، والصيام، والحج، وفي المجالس الحسينية، إلى جانب الآداب الظاهرية الفقهية؛ ليكتمل الفقه الظاهري مع الفقه الباطني.
س7/ ما معنى هذه المقولة: ( كل أرض كربلاء، وكل يوم عاشوراء)؟..
هذا لا يعتبر حديث، بل مقولة مستفادة مما جرى في يوم عاشوراء.. (كل أرض كربلاء)، أي كل أرض فيها مظهر يزيدي ومظهر حسيني، في صراع بين الحق والباطل.. فالصراع الذي كان بين موسى (ع) وفرعون في زمانه، وقع يوم عاشوراء، وهكذا هو في كل عصر.. فبعض العلماء عندما يسرد حياة أئمة أهل النبي (ع) يذكر أنه في مقابل كل إمام، هنالك بعض عناصر الشر التي قامت في مواجهته.. و(كل يوم عاشوراء)، أي كل يوم أيضاً يوجد مجال صراع بين الحق والباطل، سواءً في مجال النفس: حيث المعالم اليزيدية في داخل الذات، فقد يكون الإنسان معادياً ليزيد متبرئاً منه، ولكنه في مقام العمل يرتكب حالة من الحالات اليزيدية الباطنية، الذي كان عبارة عن مجموعة سلوكيات مأثورة في كتب المسلمين، وما كان يقوم به لا يخفى على أحد.. وعليه، فإن المؤمن الذي يريد أن يجسد الحركة العاشورائية، لابد أن يكون على مستوى تمثيل الإمام الحسين (ع) بحسب وسعه -وإلا أين نحن وما قام به الحسين(ع)- ويحاول أن يكون حسينياً في كل مواجهة لحالة يزيدية في نفسه، أو في ساحة الحياة.
س8/ ما معنى هذه المقولة: (الراضي بفعل قوم كالداخل معهم)؟..
هذه قاعدة عامة في الخير والشر، قال أمير المؤمنين (ع) لما أظفره الله بأصحاب الجمل، وقد قال له بعض أصحابه: وددت إن أخي فلاناً كان شاهدنا؛ ليرى ما نصرك الله به على أعدائك.. فقال (ع): أهوى أخيك معنا؟.. قال: نعم، قال (ع): فقد شهدنا، ولقد شهدنا في عسكرنا هذا قوم في أصلاب الرجال وأرحام النساء، سيرعف بهم الزمان، ويقوى بهم الإيمان.. ومن هنا فإن الذين يقولون: يا ليتنا كنا معكم، إذا قالوها بصدق، لا على نحو الشعارية أو الشاعرية، ليس من المستبعد أبداً أن يعطوا يوم القيامة ما أعطي أصحاب الإمام (ع).
س9/ هل من نصيحة لمن لهم ازدواجية في السلوك، يبدون الولاء لأهل البيت (ع) وهم في مقام العمل منهم براء!.. ثم كيف يمكن أن نعرف الإخوان السنة بثورة الحسين (ع)؟..
إن إمامنا العسكري (ع) في عبارته المعروفة يقول: (كونوا زيناً لنا، ولا تكونوا شيناً علينا).. وأعتقد بأن الشيعي الحقيقي، هو ذلك الذي يتبع ما جاء به النبي ووصيه (ص)، حيث أن معنى المشايعة هي المتابعة.. فالذي لا يتابع المتَبع أو المشايَع في سيره، هذا إنسان محب ومدعي للمشايعة {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ}، أي أن إبراهيم كان على سنّة من جاء قبله من الأنبياء الإلهيين.. وعليه، فإن معنى المشايعة هي الملازمة، والمتابعة في كل جزئيات الحياة.
س10/ ما هو تاريخ التطبير؟.. وما هو تكليف الذي كان يقلد مرجعاً يحلله، ثم اضطر لأن يعدل لآخر يحرمه؟..
لا يمكن القول بأن التطبير ضارب في عمق التاريخ، فهو حديث نسبيا، وقد ظهر في القرون الأخيرة.. وباعتبار أن القضية فيها خلاف فقهي، فينبغي أن نحترم آراء الفقهاء، حيث منهم من يقول: بأنه إذا لم يؤدِ إلى ضرر بليغ، وليس فيه أمر سلبي، فهي حركة من الحركات التي تنطبق عليها قاعدة البراءة؛ لأن كل شيء لم تثبت حرمته، لا نحكم بحرمته.. ولكن ماذا عن الجانب الاجتماعي؟!.. إن الإمام الصادق (ع) أوقف العمل بالمتعة لفترة زمنية، مع أنها من الأمور الثابتة والراجحة شرعاً في خط الإمامة، ولكن طبيعة الظروف لا تناسب ذلك، وفي رواية جميلة له (ع) يقول: (لا تشغلوا بها عن فرشكم وحرائركم).. أي إذا كان الأمر يؤدي إلى التزاحم بين المستحبات والواجبات؛ فينبغي تقديم الأهم.. كما في المثال المعروف: التزاحم بين الصلاة، وإنقاذ الغريق.. هذا التزاحم باب مفتوح، ليس هنالك إطلاق أن هذا الأمر ينبغي العمل به بلغ ما بلغ.. والذي يشخص هذا التزاحم هم أهل الحل والعقد، والذين يعلمون الملابسات والمداخلات، ويعرفون الوضع الموجود.. وعليه، بغض النظر عن الجانب الفقهي، الذي أغلب الفتاوى يجيزونه وبالشروط المذكورة، علينا أن نجعل هذا الأمر في إطاره في كل عصر وفي كل مكان، وننظر ما هي الإيجابيات وما هي السلبيات.. أي لا بد أن ننظر إلى الأمر بكله المتكامل، لا في زاوية فيه، وإن كان جائز بفتوى من نقلد.. إذ أن المؤمن عليه أن يوازن الأمور، فهنالك أمور من الممكن أن توجب الوهن للطائفة والأفراد، ويساء الاستفادة منها.. وبالتالي، فإننا قد نفرط في بعض المكاسب، التي نكتسبها من خلال إحياء هذه المراسم.. أيضاً من الضروري أن لا نحول الأمر إلى حالة من حالات التشرذم، وإيجاد فرقة في المجتمع على أساس أمر استحبابي، علينا سواء أيدنا أو خالفنا، أن نعلم بأننا في ضمن أسرة واحدة، ولا ينبغي أن نجعل القضية على مستوى النزاع، وكأنه على أصل من أصول الدين.
س11/ جاء في زيارة الناحية المقدسة للإمام الحجة (ع): (لأبكين عليك بدل الدموع دما).. هل إن هذا البكاء على نحو المجاز أو الحقيقة؟..
لا ينبغي تركيز النظر في المسائل، التي لا تستبطن ثمرة فقهية عملية تحريمية أو وجوبية.. على كلٍّ، فإن بعض العلماء يعتقد بصحة نسبية هذه الزيارة للإمام الحجة (عج).. ومضامين هذه الزيارة مستفادة جداً، من حيث أنها تعكس إجمالاً ما جرى على الإمام (ع) في يوم الطف كباقي المقاتل المنقولة.. وأنا أعتقد بأن هنالك قسما من الفاجعة ومن مأساة الحسين (ع) لم يصل إلينا، ولم يطلع عليه إلا الإمام (عج)؛ لأن التاريخ لم ينقل إلا شذراً بسيطاً.. فبعض المقاتل نقلت من أعداء الإمام (ع)، وقسم منهم في الروايات التي عندنا.. وعليه، فإن عظمة الواقعة والمأساة، أعظم مما ورد إلينا.. ومن هنا الإمام (ع) معذور في هذه الحالة التي يبينها في تفاعله الشديد بقضية جده الحسين (ع)، ويشبه ذلك قول الرضا (ع): (إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا).
س12/ جاء في بعض الكتب هذا المفهوم: (بأن الحسين(ع) قتل بشرع جده)، ما هو تفنيد هذه المقولة؟..
إن هذه المقولة لا يُعتنى بها أبداً؛ لأنه واضح بأن هنالك تيار مثّله يزيد ومن كان في بلاطه.. ونحن نعلم بأنه ليس هنالك أي مجال لتبرير حركاته، التي تنم على أنه إنسان لا يمكن أن يعد في صفوف المسلمين، فضلاً عن رعيتهم.. إن ما جرى على الأمة، هو ثمرة انحراف الغدير عن مجراه.. فالبعض كان يقول: بأن الغدير نبض يوم عاشوراء.. فالإمام (ع) من خلال خطبته الصارخة يقول: «إني لم أخرج أشِراً ولا بطِراً ولا ظالماً ولا مفسداً، ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي».. والتاريخ بحمد الله تعالى حفظ هذه الناحية، حيث رأينا انتعاش الإسلام من خلال حركة الباقرين والصادقين، ببركات جدهم الحسين(ع).
س13/ نرجو تسليط الضوء على السبب الرئيس في أخذ الحسين (ع) للعائلة، مع علمه القطعي بشهادتهم.. فإذا كانت الحوراء زينب (ع) هي الامتداد لبيان أحداث الثورة، ووجودها كان من الضروري في الواقعة.. فما هو دور العائلة في ذلك؟..
إن الأسرار علمها عند الله تعالى، وإنما نقول إستيحاءً: بأن ما جرى على الحسين (ع) هز كيان الأمة من جهتين:
الأولى: من طريقة القتل والتشنيع الذي مارسه الأعداء على بدن الحسين (ع)..
والثانية: ما جرى على نساء النبي (ص) بعد الواقعة من السبي والهتك.. فالإمام بهذه الحركة المأساوية، هز كيان الأمة إلى الأبد، أضف إلى أن معالم الثورة انتشرت من خلال كلمات زينب وبنات الحسين(ع).. وما وصلنا من خطب الإمام زين العابدين، وسيدتنا زينب(ع)، تدلل على هذه الحقيقة: وهي أن الحركة كانت حسينية الحدوث، وزينبية البقاء.
14/ هل لكم أن تذكروا لنا بعض المواقف المؤلمة، ما دام أن الأجواء أجواء محرم؟..
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الباكين والراثين على مصائبهم (ع)، أنا أدعو إلى قراءة المقتل في خلوات جوف الليل.. فهذه الدموع التي تراق في الخلوات -على ما جرى على أبي عبد الله الحسين(ع)- تطفئ بحار الغضب الإلهي.
* من المواقف المثيرة جداً، عندما نقرأ في التأريخ كيف أن الإمام (ع) في مرحلة من المراحل، وصل إلى مخاطبة من لا وجود لهم: (يا فرسان الهيجاء، ويا أبطال الصفا!.. قوموا من نومتكم).. وطلب منهم الدفاع عن حرم رسول الله (ص).
* مشيه إلى مقتل أخيه العباس، حيث بان الانكسار على وجهه الشريف، عندما رأى أخاه بتلك الحالة، وهو حامل لوائه.
* عندما كان يودع بنات النبوة.. ماذا سيكون حالهم، وهم يفقدون حاميهم الأوحد؟!.. إن التاريخ ينقل صورة مأساوية جداً من البكاء والنحيب، إلى درجة أنه قد غشي على البعض منهن.. ومع ذلك فإن الإمام (ع) يستمر في مسيرته إلى الميدان.
* وكذلك من المواقف المؤلمة، عندما أخذت زينب: أخته، وشريكة أحزانه (ع)، تناديه بصوت خفي: مهلاً مهلا يا بن الزهرا!.. ويبدو أن زينب (ع) ودعت أخاها في أكثر من محطة؛ لأنها لم تكن لتتحمل منظر فراق أخيها الحسين (ع).
0 التعليقات :
إرسال تعليق
تذكـر.!!! (( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) تفضل بكتابة تعليقك